السبت، 30 يناير 2010

هبه وعبير





أفسحي..
هكذا صرخت عبير ذات الإثني عشر عاما في أختها هبة الله التي تصغرها بخمسة أعوام .. فقد دفنت وجهها في ظهر أختها ولفت ذراعيها حولها .. فلم تفلتها هبة .. هنا صرخت عبير بشدة في أختها الصغرى وهي تنزع يدها وتلقي بها أرضا وهي تقول :قلت لك أفسحي .. فما أن وقعت هبة علي الأرض حتى بكت بشدة .. فجرت الأم الحنون تلتقطها وتضمها إلي صدرها
وهي تنهر عبير بشدة وتقول لها لا تدفعي أختك الصغر هكذا فقد تتأذي
فردت عبير مغضبة : لقد قلت لها ألف مرة الا تفعل هذا .. كلما سمعت صوت الغارات التي يقوم بها الإسرائيليون تجري إلي وتفعل هكذا .. فردت أمها قائلة في صرامة : كوني حنونة علي أختك.. ومن ثم غمغمت عبير ببعض كلمات غير مسموعة وسكتت .. ربتت الأم علي هبة حتى هدأت ثم تركتها وانشغلت بأمر البيت.. أحست عبير بالغضب ولم تجد بدا من أن تترك البيت .. الذي كان عبارة عن حجرة صغيرة و لم يكن بيتا بالمعني المفهوم فبعد أن هدم جنود الاحتلال منزلهم وقتل والدهم وتشردت العائلة بلا كفيل . عمل أخوها احمد الذي يكبرها بثلاث سنوات علي نقل الحاجيات علي عربة كارو تصدق بها عليه احد أهل الخير فاستطاع أن يجدوا هذه الحجرة لتلم شملهم .
وقفت عبير تنظر إلي الطائرات من بعيد .. كانت تحس بالرعب كلما رأت واحدة .. فهي تراها كما لو كان طائر كبير أسطوري جاء من الجحيم ليخطف أرواحهم ..
أنا آسفة
أجفلت عبير مستفيقة من تفكيرها.. فنظرت خلفها فوجدت هبة وما يزال دمعها علي خدها .. فأعادت هبة وهي مطأطئة الرأس : أنا آسفة.. فأنا أخاف بشدة عندما اسمع هذا الصوت .. أحست عبير بالذنب .. فجرت ناحية أختها و ضمتها وتقول: لا بل أنا الآسفة يا هبة .. ولكن أريدك أن تعلمي أني أخاف مثلك ولكني لا أريدك أن تفعلي هذا حتى يتسنى لي التحرك إذا ما هاجمنا شئ .. هنا نظرت لها هبة ببراءة قائلة : عندك حق لن افعلها ثانية .. فربتت عبير عليها وقالت : وأنت لا تخافي فسوف أحميك .. وعادت البسمة

طلبت الأم من عبير أن تذهب لشراء الخبز من مخبز قيل انه الوحيد المفتوح في القطاع بعد الغارات التي تضرب القطاع من 3 أيام فانطلقت هبة جزلة تقول سآتي معك .. فردت عبير قائلة : نعم ولكن لا تخافي من صوت الغارات .. فردت هبة : نعم

ركبا العربية عبير توجه العربة وعينها علي السماء .. وأختها من وراءها تلعب بالقش في العربة .. وحدث ما كانت عبير تخشاه .. لقد ظهرت الطائرات في السماء من بعيد وها هي تقترب.. ظلت عبير تتبع الطائرات النظر وقلبها بين قدميها .. وأحست بأختها بالقرب منها.. فوجدتها تنظر معها إلي السماء والرعب باد علي وجهها .. وتمنت عبير ألا تدفن هبة وجهها في ظهرها .. ثم رفعت عينها إلي السماء ثانية وهي ترقب في رعب اقتراب الطائرات .


************************


راقبت عبير الطائرة وهي تبتعد .. وتنفست الصعداء .. ولكن ما لبثت وان سمعت صوتها من جديد .. فراقبت السماء ورأت الطائرة من بعيد.. وتملكها نفس الخوف .. وتابعت الطائرة .. وازداد خوفها مع اقتراب الطائرة .. ومما زاد من رعبها أنها أحست بالفعل أن الطائرة متجهة نحوها ..
يا للهول..... لقد اقتربت الطائرة مسرعة نحوهم بالفعل
وصرخت هبة بشدة وهي تدفن وجهها في ظهر أختها.. وللعجب كادت عبير أن تنهرها ولكنها لسبب ما لم تفعل .. سبب ما جعلها تحس أن هذا بلا فائدة ... وارتفع صوت النار

***************************
بكى بشدة


نعم .. بكي بكاء مرا وهو يحاول ان يفصل بين الجثتين ليضع كل واحده في محفة لوحدها في عربة الإسعاف .
بكي وهو ينظر لأحدي الجثتين فقد كانت دافنة رأسها في ظهر الجثة الأخرى .. وهي تلف يديها حولها
نعم .. بكي
ولكن هلي يكفي البكاء........

------------------------------------
 

 
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق